عزيزتي
الغالية اكتب اليك في اولى ساعات سنة 2024، التي تبدئ معنا كمولود جديد، ومنذ
القليل رحلت سنة 2023 التي لم تكن سنة سهلة بيننا..
أحلي
الاخبار يا عزيزتي، هي أنى اعرف أنك بخير في اخر السنة الماضية وبدايات هذه السنة،
واعرف أنك قضيت ليلتك الى ما بعد المنتصف.. وواصلت السّهر الى مطلع الفجر، لست
اعرف مع من او كيف قضيتها، ولكنني اعرف إنك عشت ساعاتها ودقائقها...
اما
انا، فكنت في المكان القصيّ، لأنني أدركت بانك ستكونين مشغولة، وسوف لن تفتقدي
غيابي.. سيمر عليك كما تمر كل الاحداث المنسية.. أليس مرّا ان لا يفتقد أحد غياب أحد
عزيز عليه! الا اذا لم يكن يعني له شيئا..
بعد
السنة الراحلة، السنة الثقيلة، سأقول لك خبرين وسرّين، سرّ للسنة التي تركتنا، وسر
لهذه السنة التي ابتدأت..
الخبر
الاول يا عزيزتي، انّ غيابك كان عاصفا. كان عاصفا بكل ما للكلمة من معنى. كنت
حينما اذهب الى ذاك المكان، لأتطلّع الى تلك الصبية الهادئة وهي تعبر الطريق كقطعة
من قلبي، وكنت اخاف عليها من كل ما يمر، اخاف عليها وهي تقطع الطريق، اخاف ان
يقترب منها أيّ أحد، واخاف ان تكون وحيدة، ولا شيئء يملأ وحدتها وهي تحاول الوصول
الى بيتها..
وكان
عاصفا لأنني كنت حين استفيق كل صباح ابحث عنها، فاذا بها للتوّ قد اغلقت عينيها،
وتركت اثارا مفتوحة على سماء زرقاء، مفتوحة لكل من يقرأ. وكان عاصفا لأنني كنت
انتظر الساعات من اليوم لعلك تحدثين ولو جرحا على سبيل الخطأ في أحد شراييني. وحين
يحل المساء أفتش في كل اثارك، في رسائل في مواقعي على التواصل الاجتماعي، وفي
بريدي، وحتى بين يديّ، لعلي القى شيئا منك، ولكني لا أجد شيئا.
وحينما
تطول ساعات الليل كنت افكرّ في هذه العاصفه التي تقتلعني ولا ارى لها اثرا في هذا
الواقع، أأنت هنا ام لست هنا؟ كيف لا اصدّق بانّك لست هنا وانت تسكنين كل تفاصيلي،
وكيف اصدق بانك هنا وانا لا استمع الى ابتسامتك، ولا ارى وجهك الندي، ولا المح
خطواتك تعبر الطريق. كان غيابك عاصفا يا عزيزتي لأنني صرت لا اعرف في اي الفصول
انا وهل حقا يطول الشتاء الى ابعد مما نتصور فلا تكون له نهاية؟ ثم داهمني الجواب،
لعلها رحلت، لعلها لم تكن مني، لعلها كانت فكره خاطئة ظلت الطريق، لعلها كتاب وقع
بين يدي مصادفة ولم يكن لي... هذا الخبر الاول ان غيابك كان جرحا مميتا..
اما الخبر
الثاني يا سيدة قلبي هو أنى لم اتصوّر انني بهذا التطرف في حبّك، انا متطرف جدا في
حبك يا سيدتي. ربما لم افعل مثلك او مثل الاخرين للتخفّف من اثقالي منك. تخيلي
ايتها الحمقاء انني لم اتصور لحظة واحدة ان اتحدث الى امرأة اخرى، حتى حديثا
عاديا، دونما ان تكوني حاضرة في مخيلتي وفوق لساني. ولم اتصوّر بأنني سأصبح قادرا
على الكتابة الى سواك. اصدقك القول انني حاولت، حاولت لعلني اكسر هذا الغياب. لعل
اخرى تأتي فتزرع بذرها في ارضي الواسعة، في هذه البساتين والفيافي والحقول.. امرأة
اخرى قادرة ان تحبل بابتسامة لي وحدي، امرأة تسألني ذات يوم: كيف حالك؟ فأرد عليها
بما أنك في حياتي فانا بخير. انا متطرف لانني لم اتصوّر سواك في هذا الكون، هذه
الفكره التي يقولون لي انها غبية جدا، جعلتني متطرفا لصالح امرأة غائبة جدا.. لا
تعي ما يحدث!
اما
السرّ الاوّل يا حبيبة قلبي، هو انني، في 2023، حاولت ان ارحل بعيدا عنك. قد
تقولين إنك بعيدة، فكيف الرحيل عن بعيد؟ باختصار شديد يا رفيقتي، انت لم تكوني
بعيدة ولو للحظات، كنت في شهيقي، في نبضات قلبي، في همساتي، في كلماتي، فوق اناملي،
في خطواتي، ومعي في الطرقات، في جلساتي، معي حتى وانا في مواقع عملي. انت لم ترحلي
مني ابدا، جسدك هو الذي غاب، اما انت فلم تخرجي خطوة واحدة خارج حدودي. ولذلك انا
فكرت كثيرا ان ارحل، وجعلت سنه 2023 هي زمن الصبر، زمن الانتظار، واخره سيكون
القرار. وقد جاء آخره..
اما
السرّ الثاني يا حبيبتي، فهو انني قررت بان منذ الساعات الاولى من سنه 2024 ستكون
رحلتي مختلفة. ساجعل المسافه بيني وبينك ابعد، سأحجز لك خارج تفاصيلي، سأحاول حتى
انا الغياب عنك بهدوء، قد يلزمني ذلك ايام او حتى أشهر، لكني سأحاول. جربت كل الفرص
حتى اتيقن هل انت فعلا معي، ام انت مثل كل الاخريات، امرأة حاولت اللعب على قلب
نبض باسمها، وحينما ورّطته في تفاصيلها وغابت. ولا اعلم هل هو رحمة به ام امعان
بالألم. السرّ يا حبيبتي انه في سنه 2024 سأتغير، سوف اغيّر احلامي وكلماتي
وافكاري وانتظاراتي واحلامي، سوف اتخلص من كل التفاصيل التي كانت لك وحدك، سوف لن
ترافقينني. سيكون من الصعب علي، لكني سأحاول، سأحاول، وسأنجح. قد يكلف ذلك، كما
قلت، ايام او أشهر، ولكنني سأنجح. اما بالنسبه لك فحينما تعودين من الغياب، فإنك
تعرفين اين سأكون، ربما لن تجدي قلبي مثل ما عرفته، وستجدين شخصا يشبهني، لكنني سأحدثك
كأننا غرباء. وسأذكر دائما انني فضلتك على العالمين، لكنك فضلت الغياب. وارجو
دائما ان امحي تلك الفكرة من مخيلتي، وهي أنك طفلة وجدت لعبة في طريقها، تسلت بها
وكسرتها، ثم رات لعبا اخرى فلحقتها..
كل عام
وانت الأحلى، وكل عام وانت الاروع، وكل عام وانت الأقوى.
كل ما اتمناه لك يا حبيبتي في 2024، هو ان تكفي
عن البحث عن اللعب، فقد تكسرك احداها قبل ان تكسريها، وان تكفي ان تكوني طفلة، كوني
امرأة واحدة، واختاري لعبة واحدة، حتى لو انكسرت بين يديك، سترقعينها وتسندينها
وتواصلين الطريق..
كل عام
وانت بالف خير
اذا قرات رسالتي.. فابتسمي للرسالة وحدها.. حتى ارى كلماتها ازهرت..
من
المخلص
دكتور
محجوب احمد قاهري
كاتب
تونسي
رسالة مذهلة بأصابع كاتب رائع ٱلكلمات وأنيق في ٱلتعبير
ردحذف