-->
recent

آخر الأخبار

recent
random
جاري التحميل ...
random

ثاني رسائلي اليك في 2024

 



 

سر الوقت!

 

مساء الخير عزيزتي

هذا المساء فكّرت ان اكتب اليك عن الوقت. فالوقت هو الشيء الوحيد الذي يمثل صلة الوصل بيني وبينك، وبين كل الأحبة. وهو في الواقع الشيء الوحيد الذي نعيشه معا، ويفصح عن عمق ما بيننا.

 

ولعلك تتساءلين لماذا اكتب لك انت دونا عن الاخرين؟ ولماذا كلما داهمتني فكرة او رؤية او شوق ألقي بنفسي اليك مباشرة، ولا أفكّر في ايّ وجهة أخرى. الجواب ابسط مما تتخيلين. إني حينما اكتب اليك كأني اكتب لنفسي، اوأني فعلا اكتب لنفسي. ولإيماني بأهمية الوقت بيننا، حتى أني صرت اخترعه في غيابك.. وهذا ما لم تدركينه من سنوات خلت.

 

اعود لأحدثك عن الوقت. ربما كان يقلقني هذا الموضوع منذ سنوات او أشهر او ايام او حتى ساعات. الوقت يا سيدتي هو الوعاء الذي نضع فيه الاحداث والمشاعر والاحاسيس. الوقت هو كل ما نملك. ولا يأتي الا مرّة واحدة لنضع فيه كل هذه الأشياء. ولنصنع المشترك بيننا.. وتلك هي حقيقة علاقتنا، يحددها ما كان داخل هذا الوعاء..

 

حينما يحب المرء ينتهي وقته الخاص ويتلاحم وقته مع وقت الاخر. يصبح وقتهما واحدا. كل منهما يضع فيه التفاصيل المشتركة بينهما. وان لم تأت قدرا، هذه التفاصيل، يصنعها أحدهما ويستجيب لها الاخر..  وكلما كبر هذا المشترك كلما كان الحب قويا، وقابلا للتواصل والاستمرار. ولو اتّحد الوقت اتحادا كاملا بينهما لدام هذا الحب مدى الحياة وما بعدها.

 

اعرف انه قد يكون لكل واحد جزء من الوقت لا يمكن فيه الاشتراك، مثل العمل او العلاقة مع العائلة، من اب وام واخوة، اذ يكون الطرفان منفصلين لبعض الوقت. حيث يؤخذ وقت أحدهما الى ضفة أخرى واجبة.. وهذا امر عادي الى حد كبير. الا انه في المحصلة، يبقى حجم الوقت، رصيدنا من الاشتراك، هو الذي يحدد صلابة العلاقة.

 

في الحب، المشترك بين الطرفين خارج عن ارادة الفرد إذا كان الحب صادقا. حيث لا يصحو أحد من نوم دون يتنبه ويتفقد حبيبه كأنه سيلتقيه بعد طول غياب، ولا يخرج لشأن قبل ان يستشير حبيبه، ولا يلتقي بأحد آخر قبل ان يستشير حبيبه، ولا يذهب الى أحب الناس اليه من عائلته قبل ان يستشير حبيبه، ففي ذاك سمة المشترك القدري.. واما المشترك الذي نصنعه بوعي منا، هو تلك التفاصيل التي نكتبها في وجدان الاخر بكل صدق وقرب ورغبة.. فالمحب يهوى داما ان يكون على بال حبيبه، فيعلم مكانه، ووضعه، وحديثه، ولقاءاته.

 

اما إذا طغت افعال عدم الاشتراك، فاعلمي بان ليس هناك حب، ربما استحسان، او مجاملات، او ضرورة، او اي شيء اخر ما عدا الحب..

 

نحن، من طرفنا، يا قرة العين، نحرس دائما هذا الوعاء الذي بيننا، الذي اسمه الوقت. نحرسه بأمر من الحب. إننا نستفيق لنبحث عنك في كل الزوايا لأنك تملئين الوقت، نخرج خارج غرفنا فنتذكر بسمتك وصوتك لأنك تملكين الوقت، نذهب الى العمل ونحن نحمل معنا كل ذلك الشوق اليك لأنك تملئين الوقت. احلامنا البسيطة ليست ولن تكون مستقلة عنك لأنك تملكين الوقت. ونحلم بالغد وكيف ستكونين ذاك الجميل الرائع الذي نسعى الى ان لا نغيب عنه كثيرا لأنك تملئين الوقت. نحملك معنا في كل المسارات، وفي كل اللحظات، وكأنك معنا تناقشين افكارنا وكلماتنا لأنك تملئين الوقت.. وكنا نحاول طوعا وفرضا ان يكون المشترك بيننا في وعاء الوقت كبيرا.. كبير جدا..

 

مع مرور الايام والاشهر وحتى السنوات يمكننا تبين مخزن الوقت، ماذا فيه من مشترك حقيقي.

وللأسف يا قرّه العين، فانا لا نرى حضورنا في وقتكم، ولا نرى اتساعا لمساحات المشترك بيننا في وقتكم.. لأنك امرأة اللحظات. تحضرين حينما تريدين وتغيبين متى اردت، وليس في تفاصيل الوقت ما بيننا شيئا من المحبة او الدفء الذي تخطه الانامل بكل يقظة قلب. تتصلين حينما تكوني مرغمة بظرف، بمصلحة، او بفكرة، ثم تقطعين حرارة الاتصال حينما تصلين الى مبتغاك.. ولا يحدث أي مشترك.. الوقت فارغ جدا ما بيننا..

 

يا قرة العين، الوقت هو الصندوق الذي نكدس فيه الاشياء التي بيننا ولم يتكدس بيننا سوى بعض البروتكولات الهاربة من الوقت.. والتي لا تعني شيئا في موازين المحبة..

أدعوك ان تعودي اليك وتفتحي خزائن الوقت لديك، وابحثي فيما اشتركنا فيه. وتأملي أظافرك هل خدشت حجر الأيام حتى تتسع رقعة الوقت بيننا.. وحينما لا ترين مشتركا صنعته انتِ بيننا يملأ ذاك الصندوق فاعلمي بأنني قد تأذيت منك كثيرا.. ولا اطلب شيئا اخر..

 

ايتها الحبيبة الرائعة لك كلّ حبي..

 

د محجوب احمد قاهري

طبيب وكاتب تونسي

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

التعليقات



إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

إتصل بنا

جميع الحقوق محفوظة

بكل حب

2016