يا أنتِ،
لم أكن اعلم ايتها الشقية بانّ كل شيء سينتهي كما حدث. لم أكن اعلم بانّي لم اكن سوى ستارة من حرير وضعتها على جدران قلبك حينما دخلتُه أوّل مرّة، ومع الوقت صرتِ تحتاجين ستائر أخرى.
لم أكن أعلم بانّي لست سوى فصلا من رواية قديمة.. أقحمتِني في تفاصيل جزئية فيها، فلم أكن بطلا، ولا واحدا من الشخوص الذين يؤثرون في حبكة النصّ وتطوّر الاحداث.. الم اقل لك سابقا، بانّي معك لا اقبل بأدوار هامشيّة، فأنت روايتي.. لكنّك ابتسمت، ثم مضيت..
وآه من ابتسامتك، كم كانت تُخفي من جحيم.. لم أتوقّع بانّ ذاك النور الذين كان يحتويها، كما يحتوي كفّ عاشق وجه حبيبته، لم يكن سوى لعبة نسوية قديمة.. لعبة للإطاحة بقلب دافئ، أجهزة مناعته ضعيفة جدا امامك.. وهل تعلمين بانّي سقطت! كما قُلتِ تماما، فانّي سقطت.. لكني سقطت في فخّ النوايا الطيبة التي وضعتها ووضعت فيها نفسي..
انا سعيد بهذا السقوط.. سقوط سيخلّص قلب جميل من خيوط بيت عنكبوت.. ستظلّ تفاصيل دامية في عروق الذكرى، ولن تداوي أي تميمة آلاما مبرحة منبعثة من جدران الشريان.. الا انّ الوقت كفيل بان يحوّل الألم القويّ الى رفيق.. الم رفيق أفضل من ألف ابتسامة مخادعة..
اقرئيني الى آخر حياة الكلمات معك.. ستجدين فيها كل شيء.. من الحمق الى الحكمة.. من الرتابة الى الجدّية.. شيء واحد سوف لن يتغيّر فيها، اندهاشي الدائم من خيبتي وجبروتك.. من نواياي الطيبة ونواياك التي غدرت بي.. والمسافة بيننا مثل المسافة ما بين دلهي وصنعاء.. بالرغم من اشتراكهما في الحزن الابدي..
منذ فجر، هذا اليوم، وانا أعيد ترتيب الاحداث بيننا، في ذهني.. لم اشتغل على شيء آخر غير ذلك... سوى حدوث عملية إرهابية بالبلاد وزيارة مرشح رئاسي الى مدينتنا..
والعجيب هو أنك اشتركت مع الحدثين في نفس الأفعال. لم يكن الاختلاف بينكما كبيرا.
حدثت العملية الإرهابية غدرا. حاول مرتكبوها قتل الأبرياء.. فلم يفلحوا.. خلّفوا اضرارا مؤلمة، بقتلهم أحد حراس الوطن.. الا ان ذلك لم يمنع الناس من التصفيق لما تبقى من انتصار.. بعض الاضرار تكون، دائما، حافزا على المضيّ في الاتجاه الصحيح..
وامّا مرشّح الرئاسة، فقد استقبله الناس ليعرفوا ما في جعبته.. أغدق عليهم بخطابات الحبّ.. والوعود.. بأن يجعل منهم الشعب السعيد لو ينتخبوه.. ثم رحل مزهوّا بكذبه.. وبنكاته..
أنت تشابهت مع الحدثين، قتلت في رحم قلبي أحلاما جميلة.. واوغلت في المضيّ في درب الوعود الزائفة.. ثم رحلت.. وتبيّن بانك لم تكوني سوى مرتزقة ضئيلة في عالم الصدق والحبّ..
والحقيقة بانّي لست سعيدا برحيلك.. تمنّيتُ وعملتُ بأن نكون معا.. ومع إنك لم تكوني سوى مخاتلة عبقريّة، فإنني لم أرضى بأن ترحلي وانت عارية تماما من كل ما يستر فضحيتك أمامي.. وانا اراك نصف امرأة.. ونصف انثى.. ونسخة غير اصليّة للإنسان.. أليست هذه هي الفضيحة الكبرى!
ثم عُدت الى تخاريفي.. الى تفاصيلك التي تسكنني!!
وتذكّرت بأنّني قلت لك يوما، سأدافع عن حبّي لك، وسأحارب من أجله كل خطر داهم.. حتى لو كنتِ أنت! واليوم، تمزقتُ الى ألف قطعة، فكيف اقاتل من اجل امرأة لا تستحقّ القتال من أجلها.. ولا ترتقي الى مستوى ان اقاتلها من أجلك! ولعلّ هذا أوّل وعد قلته لك وأخلفه..
أعلنها لك، لن اقاتل من اجلك ولن اقاتلك من أجلك..
انا متعب. فعلا انا متعب.. تلك الجدران التّي تعرفين رسمتها من أجلك.. كتبتُ عليها من أجلك.. زوّقتها من أجلك.. فلم أعد اراها اذ اراها.. بل اراك.. فمن يخلّصني من هذه الورطة! أن تكوني أنت في كل مكان.. يا للورطة التي أوقعتني فيها خيبتي! كان كل شيء يقول بأنك امرأة محتالة! الاّ قلبي..
قلبي لم يكن ذكيّا بما يكفي.. كان طفلا.. فضحكتِ عليه...
يا أنتِ،
وأذكر، أيضا، بانّي قلتُ لك أحتاج امرأة مثلك.. امرأة أحبّها.. وقلتِ، وانا أحتاج رجلا مثلك..
وأضفتُ، أحبّ روحك، ولن يتغيّر هذا الحبّ مهما كان واقعك.. مهما كان وضعك.. مهما كان أثر الزمن فيك.. الا إذا أنت أردتِ!
وأضفتِ، يلزمني الكثير حتى أغطّي نقائصك امام أعين الاحلام.. وكيف ابدأ معك؟ أنا محرجة.. يلزمني الكثير.. ومن أين أبدأ؟
وكانت صدمتي الكبرى.. وأنا استمع الى امرأة بورجوازية تافهة! تراني مثل حقيبة يدها.. ومثل خاتمها.. ومثل ساعة يدها.. ومثل قلادتها.. رجل للمناسبة.. رجل للصورة.. رجل للحديث النسوي..
رجل يحتاج الى ترميم كي تتمكن امرأة بلا معنى ان تضعه أحمر شفاه.. او ماسكرا.. او مانيكير.. او تضرب به حكاية قديمة..
أوجعتني كثيرا ايتها الحمقاء.. فهل حقا كنت أستحق منك كل هذا الغباء!
وشكرا لك..
والى رسالة قادمة
المخلص.
د. محجوب احمد قاهري