مساؤك خير،
اليوم كنت حزينا جدا لضياع القدس، ولم أجد من أقاسمه حزني. وانت مدينتي الأخرى التي ضاعت. القدس تآمروا عليها. وأنت تأمرت على نفسك!! لذلك حزنت وحدي..
هل جرّبت الحزن وحيدة؟ تظل أنيابه تنهشك، لا أحد يحميك منها، حتى أنت تبقى تنظُرُ اليك مندهشا، كأنك لا تعرف نفسك.. وتظلّ هكذا كأنك مقيّد..
الحزن يا حبيبتي لحظة حقيقة حينما لا تستطيع أن تفعل شيئا مفيدا تجاه ما يحدث، وحينما تكتشف حجم الخيانة، ولا يمكنك أن تحدث فرقا بينها وبين ما تتمنى. القدس تآمر عليها حكام العرب، سلبوها في وضح النهار، ثم أصدروا بيانات القلق والتنديد.. حكامنا قلقون.. حكامنا مرضى نفسانيون، لذلك يظل القلق يقتلهم.. ويقتلنا معهم... ونحن؟ مجرد ظاهرة صوتية.. مجدر كلمات تنطلق في فضاء متعفن..
ومن اجل القدس ها قد خرجت الكثير من الشعوب غاضبة. سيتظاهرون ساعة أو ساعتين، ويعودون كأنهم أدركوا الغاية. سيكون لكل واحد منهم ألف صورة، في ألف موقع، مع ألف صديق، وتنتهي الحكاية بتوثيق "لفانتازيا" اظهار الذات..
سينزل ألف "هاشتاغ"، والناس من وراء مكاتبهم، ودفئهم، سيضغطون على زر الاعجاب، يسجلون عددا فائقا من المتضامنين. المتضامنون الوهميون، الذين لا حقيقة لها.. ثم يحتفلون، وربما تكافئهم إدارات الصفحات الاجتماعية لما بذلوه من اجل اشهار المواقع.. فالربح والذات أهم من الوطن!! هكذا صارت الحكاية..
وهل ستعود القدس بعد ذلك!! لن تعود ابدا مادام سلاحنا التطبيل والتزمير والهتاف.. مادام حكامنا يلعبون أمام اعيننا أدوار النذالة، ونحن صامتون.. ما دمنا ألسنة ذمّ ونمّ وغمّ وهمّ...
أكتب اليك، ولازال الحزن يرافقني. اعرف بانك لن تعودي مثلما صار مقدرا للقدس.
فقط اردت أن أقطع وحدتي بالكتابة اليك.. وحدتي التي لم تفارقني منذ رحيلك.
ستكون رسالتي ما قبل الأخيرة سعيدة بأن تقرئيها.. وان قرأتها فوقعي تحتها.. وهذا كل ما كنت اشتهيه في هذا اليوم.. لعلي بك أمر الى مرحلة ما بعد الحزن..
والى رسالة قادمة
المخلص
د. محجوب احمد قاهري
طبيب وكاتب تونسي