سلام فلورانس.
ها أنى اكتب اسمك فاطمئني. اطمئني يا فلورا. لقد تعلمت من أهلك الفرنسيين الانضباط في الوقت، وتعلمت منك الوفاء بالعهد.
يقولون بأنني تورّطت في وعدك. تورّطت ولا خلاص لي بعدك. وما عساني أفعل وأنت يا حبيبة القلب لم تمنحيني حتى فرصة التراجع عن وعودي أمامك، والاعتراف لك بعبء الحمل، الوعد. انه ثقيل جدا يا غاليتي.. ثقيل. كل ما فعلتِه، هو أنك غبت، بدون سابق انذار، أطفأتِ مصابيح حضورك، وأبقيتني للعتمة. مرّ غيابك يا امرأة. مرّ جدا.
غيابك كان أكبر مشاكلي. صرت لا اعرف الكتابة في سواه. ورّطني مع قرائي. كانوا يسألونني: اليست هناك مواضيع أخرى للكتابة، والعالم رحب، فاختصرته في العتمة!! والغياب يا امرأتي هو أنت. هو ظلّ حضورك، هو العطر القادم منك من بعيد. فما أفعل لو نسيت غيابك؟ وأنت الممنوعة من الحضور، بحكم القدر.. اثمة ما يستحق الكتابة دونه!! ومع ذلك، حملت الامل معي، اخذته من ذراعه، وجعلته رفيقا.
وحتى الامل أتعبني. حينما رأوني ارافقه، تعجبوا من غدري لك، وعدم وفائي. وقالوا ان "الامل" حبيبتي الجديدة بعدك.. واني أوقعتك من عيني كما تقع دمعة.. واني ألقيت بك في ركن مهمل كما ترمى كل قصيدة لم تكتمل.. ولم يحدث شيئا من هذا.. أبدا.. ما أحببت غيرك.. وما نسيت.
في الواحد والعشرين من أكتوبر، سابقت الزمن.. وصلت حضر موت في التاسعة مساء، في الموعد تماما... جلست الى طاولة منفردة، وكرسي أمامي فارغ ينظر الي.. طلبت النادل، فجاءني بفنجاني قهوة، واحد لي وواحد لك. احتسيت فنجاني. وحدثت الكرسي. أتذكرين ذاك الموعد، وذاك اللقاء. أتذكرين يا فلورانس؟ يومها، منذ سنوات، وعدتك، ووعدتني. الا أنك أخلفت، ورحلت، وأنا لازلت على الوعد.. ومنذ سنوات، في تاريخ هذا اليوم، اسافر الى حضر موت، اجلس الى نفس الطاولة، وأطلب فنجانين، وأحدث الكرسي الفارغ. وأكتب لك بعض الكلمات.. الى ان جاءتني فكرة الرسائل...
الان تداهمني الاحداث.. ويرتعش قلمي...
سلام الى روحك الطاهرة..
ولأجلي كوني دائما بخير...
والى رسالة قادمة
المخلص
د. محجوب احمد قاهري
طبيب وكاتب تونسي