السؤال "الخطير"
الذي يجب أن نجيب عنه قبل كلّ شئ، هل نحن فعلا نجحنا في ثورتنا في تونس، أم مالذي
يحدث؟
هناك بعض الزعماء
حينما استمع اليهم وهم يجيبون عن هذا السؤال، فلا أقول بعدهم سوى لا حول ولا قوة
الا بالله، "العزوز هازها الواد، وتقول العام صابة".
فهل نجحنا في الانتصار
للثورة واهدافها، أم إننا نجحنا في اعادة التجمع دون أية مقاومة تذكر. والجواب هو
الثاني، لقد فشلنا، ثمّ ساعدنا النظام السابق على العودة. لقد اشترك الجميع في
الثورة المضادة، بحسن أو سوء نيّة.
لقد راهنت القوى
الثورية الفاعلة على خلطة سياسية مريبة، عنوانها التسامح مع النظام القديم بكل أفكاره وقياداته، وقوانينه ومؤسساته وكأن شئ لم يحدث، وهذا السقوط كان يعتقد بأنه
الذكاء بعينه، حتى إن البعض امتدحه في بعض الصحف الخائبة، والفضائيات المشوهة.
ثمّ وقعت هذه
القوى في كذبة "المجلس التأسيسي"، الذي أوحى لهم بانهم الفاعلون
والحاكمون الحقيقيون، مع أن هذا لم يكن
سوى خدعة محكمة، سعت إلى إسقاط كلّ نفس ثوري، بتعلّة إننا نحكم بالفعل.
وفي غضون ذلك كانت
"الماكينة" تعمل، "ماكينة" عبد السلام جراد تأكل الأخضر
واليابس، و "ماكينة بن علي" تستعيد ثقتها بنفسها، وأماكنها التي لم تخرج
منها قط، بل ودعمتها فيها القوى الثورية "الذكية جدا".
وعاد نظام بن علي
من جديد وعبر صندوق الاقتراع، بمباركة المجلس التأسيسي الذي فتح له الباب على
مصراعية، وبطيبة "الثوار" ضعاف القلب لو اقسوا رموز التجمع لمرحلة
انتخابية واحدة. افتكوا البرلمان، والحكومة، ومازال طمعهم في الرئاسة.
ماكينة نظام بن
علي لا تزال هي الأقوى، إعلاميا وميدانيا. فقنوات عديدة ومؤثرة تلعب دورا خطيرا في
توجيه الرأي العام لفائدة نظام بن علي. وميدانيا فقد عادت "الشعب الدستورية
تعمل من جديد. فمثلا في أحد المحافظات هناك 360 شعبة، وأعضاء كلّ شعبة 10 أفراد.
فتخيلوا لو كلّ فرد أثّر في عشرة آخرين فقط، فكم سيصل العدد؟.
وأمّا من تبقى من
الثوار، فالحقيقة هم يبدعون كلّ يوم، فهم يجلسون في أبراجهم العاجية، وراء حواسيبهم،
وامام "الفيس بوك" يسبون ويلعنون، وكأنهم يحققون إنجازا. مع انه في بعض
المحافظات لا تتجاوز نسبة الذين يشتركون في خدمة الأنترنت 15 بالمائة، بمعنى إن
الفيس بوك لن يكون مؤثرا، ضمن خطاب عشوائي، غير حرفي، متوتر، يلعن ويسب، دون ان
يقدّم حلولا.
ان مساندة الرجل
الوحيد في تونس، الذي دخل دائرة الحكم، وثبت على منهاج الثورة، وهو الدكتور
المرزوقي، تتطلّب العمل الجدّي والميداني، لا "العربدة" على الفيس بوك، الذي
بدأ يفقد مصداقيته، او فقدها فعلا.
"العزوزة
هازها الواد، وتقول العام صابة"، هكذا نحن، ولن نكون غير ذلك ما دمنا لا نؤمن
بقدراتنا، ولم ننزل الميدان لافتكاك موقع الرئاسة، لرجل اثبت للناس انه إلى جانب
الثورة، وليس في خارجها، كما فعل رفاق الدرب.
نجاح الدكتور
المرزوقي في الرئاسة، ليس هدفا لشخصه، وانما لأنقاذ ما تبقى من أحلام الثورة. فهل
ننجح في ذلك؟
د. محجوب احمد قاهري