![]() |
الصورة للمعنى فقط.. |
في كل شهرين، اوت وسبتمبر، من كل سنة، تقام المآت من "الزرد" في التراب التونسي، وخاصة في مناطق الوسط والجنوب.
واصبحت "الزردة" ظاهرة اجتماعية متكررة، خاصة في المناطق التي نما فيها، تاريخيا، المذهب الصوفي. وأصبحت ظاهرة بأتم المعنى في القرن التاسع عشر، خاصة في الفترة الاستعمارية لتونس والمغرب العربي.
انقسم الفرقاء حول شرعية "الزردة" من الناحية الدينية، فهل "الزردة" حلال او حرام؟ وقبل الإجابة عن هذا السؤال لا بد من التعرض الى بعض النقاط:
الولي الصالح والتأليه..
- الزردة هي عبارة عن طقس روحي جماعي، حيث يجتمع مجموعة من الناس ذات تأثير في منطقتهم في يوم محدد، يتم الاتفاق عليه مسبقا، ثم إعلانه للجميع. يتم هذا الطقس حول ضريح أحد "الاولياء الصالحين". يقدمون له القرابين، بذبح الاضاحي ويوزعون المأكولات على كل الزائرين.
- الزردة تحمل بعدا غنائيا مدحيا. حيث يتولى أحد المدّاحين المتمرسين، من ذوي التأثير، بمدح "الولي الصالح" المجتمع حوله. ووصفه بأوصاف تتصل بالقداسة. الى حد اعتباره من سلالة محمد رسول، الله صلى الله عليه وسلم. كما انهم ينسبون اليه اعمالا خارقا، لا يقبلها عقل سوي.
ظواهر رأيتها بأم العين
- صبايا يبكين ويمزقن لباسهن فوق الضريح طالبين من الولي مساعدتهن على وجود زوج او حل مشكلة من مشكلاتهن العاطفية.
- فقير يختلي بالضريح، ويبكي بصمت شاكيا للولي وضعه المادي، طالبا منه العون وفتح باب الرزق.
- زوار الضريح، يقتطعون جزء من خرق (غالبا ما تكون خضراء) ويضعونها في جيوبهم، او لصيقة بملابسهم الداخلية، لجلب الرزق.
- أمهات يحملنا ابناءهن قبل الامتحانات للضريح، باكين على اعتابه، طالبين من الولي التوفيق والنجاح.
- سائق حافلة تعطلت حافلته في الطريق المؤدية في اتجاه أحد الاولياء، وكان ركاب الحافلة من اتباع هذا الولي، وبدل الاتصال بالميكانيكي، نزل الركاب متوجهين بقلوبهم الى الولي ومتضرعين له في خشوع ليصلح الحافلة.. ويبدو بان العطل كان عابرا فعادت الحياة الى الحافلة.. عندئذ خرّ الركاب سجودا للولي الذي أصلح لهم حافلتهم..
- مريضة عجوز جاءتني لعيادة التخدير.. وبعد فحصها قلت لها مازحا ان الولي فلان أفضل من الولي الاخر.. سمعتني بانتباه شديد، وقد توقفت عن كل حركة، واقسمت بانها لن تبقى في عيادتي دقيقة واحدة ولن تقبل بإجراء عمليتها الجراحية مهما كلفها ذلك.. وقد تطلب مني الامر كثيرا من الوقت لأقنعها باني امزح لا غير.. واخبرتني عن مكانة وليها العالية جدا..
الزردة والاستعمار..
- ازدهرت "الزردة" في القرن التاسع عشر، خاصة في الحقبة الاستعمارية لتونس.. فهل لذلك علاقة بحركة التحرر النامية في تونس المحتلة، والتي كان يستوجب وأدها؟
- تخيل، معي، بانه مثلا في محافظة القصرين، وسط تونس، تم إحصاء أكثر من 240 زردة.. تقريبا كل قبيلة لها "وليها الصالح".. فهل تم استعمال القائمين على هذه الزرد كلها، وخاصة المتكلمين باسم الولي، وغالبا لا نعرف من كلفهم بذلك!
- في أحد المحافظات كان هناك وليا مؤثرا في الناس بلسان عربي مبين وبلهجة محلية خالصة... وبعد وفاته تبين بانه فرنسي.. ولا زال قبره موجودا الى حد الان.. ومن المعجزات الكبرى لهذا الولي هو نور الله الذي ينزل عليه. كان يحب المديح والذكر ليلا.. وفي قمة "تخميرته" ينطلق منه ضوءا يسجد له جميع الحاضرين.. وكان الرجل يحمل تحت جبته مصباحا كهربائيا صغيرا (Torsh).. يقوم بإضاءته في الوقت المناسب.. ليعتقد الحضور بان نورا ربانيا قد آتاه، فيخرون له ساجدين..
الاستعمال السياسي للزردة..
عمل الرئيس الحبيب بورقيبة على تشجيع ظاهرة "الزردة". وفر الأموال لترميم قبور الاولياء الصالحين،.دعا الى إقامة حفلات "الزردة" سنويا وحول بعضها الى مهرجانات. وكان كل ذلك تحت اشراف سياسي بحت، من طرف الشعبة، والعمدة، والمعتمد والولاية. وكما قلت بلغ عدد الزرد في محافظ القصرين وحدها أكثر من 240 زردة... وتخيلوا معي كيف يمن التأخير في الناس.
هذه الأيام، وفي محافظة القصرين، بلغنا بان احد الوزراء القادمين على انتخابات قام بزيارة احد "الزرد" وليها ينتمي الى "قبيلة كبيرة بالجهة"... قبيلة وازنة انتخابيا.
تطور واقع الاحتفالات بالزردة.. الا ان أصلها العقائدي بقي ما هو..
بالرغم من ان في الظاهر أصبح يطغى على احتفالات "الزردة" الطابع المهرجاني الترفيهي في النهار.. الا انه ليلا يطغى الجانب العقائدي والمدحي للولي الصالح، والصاق القداسة به وقربه من الله ورسوله..
ويطلب الجميع من الولي بان يخلصهم من مشاكلهم.. سوء الحظ، العنوسة، البطالة، المشاكل الزوجية، الخيانة، والستر... وحتى تحرير فلسطين، وهي بذلك تلعب دورا خطيرا في الوجدان وفي تحويل العقل الباطن الى القناعة الراسخة بتأثير الأموات على حياتهم وقيادتهم.
اذا، هل الزردة حلال الحرام..
اهل الحلال: يقولون بان "الزردة" هي مظهر من مظاهر التقرب الى الله عن طريق الولي. يقومون فيها بإطعام الفقراء والمساكين، كما انهم يصنعون حركة تجارية مهمة تنشّط اقتصاد الجهة..
واهل الحرام: يقولون بان "الزردة" مظهر من مظاهر الشرك بالله.. والقائمين عليها يعملون على تغليف هذا الشرك ببعض النشاطات الاحتفالية...
ونقول، يكفي بان الاجتماع حول الاعتقاد بان هذا الولي "الميت" ، رحمه الله وغفر له وادخله فراديس جنانه، يحمل من القداسة أكثر مما نعتقد، وانه مدخل من مداخل التقرب الى الله، يكفي هذا للقول بان "الزردة" افساد للإيمان والعقيدة، وافساد لحركة التطور، وتكبيل للشعوب.
فكيف تعتقد أنت؟ هل الزردة حلال ام حرام.
ان قرأت هذا، فاترك أيها تعليقا يحمل رأيك حول هذا الموضوع، أسفل هذا. كل تقديري.
د. محجوب احمد قاهري.