23 يوليو (تموز، جويلية) يوم حاسم في تاريخ هذه الامة. يوم غيّر ما غيّر. وأنتج ما أنتج، من كل أصناف التناقضات: النخوة والرداءة، البطولة وكل الهزائم...
نقطتان مرتبطتان بهذا اليوم، وددت الحديث فيهما، بعدما منحت شرف الحديث عن يوم 23 يوليو، وهما: حب رائع ما بين جيهان والسادات، وثورة اسمها "ثورة يوليو (جويلية) 1952.
قد تسألني مالداعي كي أقحم جيهان في حديث الثورة. الامر بسيط كل البساطة، فمحمد أنور السادات هو الذي اذاع البيان رقم واحد للثورة المذكورة، ومحمد أنور السادات هو الذي عبّد الطريق لكل الهزائم اللاحقة، ما بعد رحيل الزعيم جمال عبد الناصر. وجيهان كانت الركن المضيء في حياة السادات ما قبل 23 جويلية وما بعده.
بعد سنوات طوال، مرت من عمر جيهان السادات، لا أحد يذكر جمالها، ولا أناقتها، ولا فساتينها، ولا اصباغها، ولا عطورها، ولا مجوهراتها... الناس يذكرون عن جيهان روحها، وأدبها، وما كانت تقدمه للناس، على الأقل فيما كان ظاهرا.
التقت جيهان بمحمد أنور في السويس سنة 1948. وكانت جيهان قد أحبته من قبل أن تلتقيه، سمعت عنه. وكان حبهما سرياليا، ان يقع دون لقاء. وفي ماي 1949 تزوجا، وكان أنذاك، محمد انور لا يزال ضابطا صغيرا. (لا تنسوا بان سنة 1948 كانت سنة النكبة وضياع فلسطين).
تقول جيهان "كانت البنات يحلمن بنجوم السينما، وكان هو (أي السادات) بطل احلامي".
وتقول "ان أول وأهم هدية أهداها لها محمد انور، هي ان غنى لها بصوته أغنية فريد الأطرش – يا ريتني طير لَطير حواليك-... (واستمعوا للأغنية، هي كلاسيكية جدا، الا انها راقية).
لم تترك جيهان فرصة لامرأة أخرى بأن تأخذ مكانها في قلب أنور السادات، (أنور الضابط البسيط). كم تحدت والدتها، البريطانية، الرافضة للفلاح البسيط، محمد انور، وتزوجت بحبيبها.
وبعد أكثر من أربعين عام من وفاة السادات، ظلت جيهان تقول بانه "حبي الوحيد".
لقد رافقت هذه الروح الجميلة "جيهان" رجلا كتب بالخطأ طريقا مرعبا، مهزوما، لأمة العرب..
وعوْدا لثورة "23 يوليو (جويلية)". الحقيقة، هي لم تكن ثورة، بل كانت انقلابا. قاده 13 ضابطا، سموا أنفسهم بالضباط الاحرار. قد تكون هذه الثورة ردا على النكبة لسنة 1948، او قد تكون أي شيء آخر.
والثورة تحسب بمخرجاتها وبمحصلتها. فلكل ثورة انتصارات وهزائم، إنجازات واخفاقات. وثورة 23 يوليو كانت محصلتها مرعبة على الامة، فكلها كانت تصب في خانة الكيان الإرهابي الصهيوني. اول حصادها كان خيبة 1967، ثم انتصار 1973 الذي كان مدخلا حقيقيا للاستسلام لفائدة الكيان الغاصب، عن طريق جملة من المعاهدات. معاهدة الاستسلام "كامب ديفيد" مع القاهرة في 1978. معاهدة السلام أوسلو مع منظمة التحرير سنة 1993. معاهدة وادي عربية مع الأردن في 1994. ثم بعد ذلك سقطت بغداد في 2003. وأعدم صدام حسين في 2006. ثم توالت الهزائم، بلا عدد، الى ان حاصر العرب العرب، وحاصر الصهاينة الأقصى.
ولم يبقى في الوطن الا بعض القلوب الطيبة تحتمي بالدعاء. ولا غير.
بعد 65 عام من 23 يوليو 1952، بقى في تاريخ الامة، حب جميل ما بين جيهان ومحمد أنور السادات، وطريق طويل من الهزائم التي لم تنتهي... ولأول مرة يرافق حب كبير خيانة أكبر منه.
د. محجوب احمد قاهري
طبيب وكاتب تونسي