لعلك انتظرت طويلا ان اكتب اليك رسالة مني محملة ما كنت تشتهين ان تعرفينه.. وان يحملها اليك حمام زاجل، او تحملها شبكه عنكبوتيه، او يحملها تواتر أرواح..
لم انس ان اكتب اليك ابدا! وكيف انسي ان اخاطب مالك روحي، ان احافظ على وعد قطعته بان اكتب اليك، لتبقى الكتابة شاهد على عصرنا، حتى وان لن نلتقي ابدا..
هذا المساء كنت تائها تحت وقع فكرة الصباح: ان اكتب اليك بعد تأخير.. كان موضوع الرسالة يراودني.. كنت اعتقد باني صرت اعرف ما تشتهين ان تعرفي.. لكني هذا المساء غرقت في كثرة الاشياء التي اود ان اخبرك بها..
في الحقيقة لا يهمني، لو كتبت، ان كنت ستقرئين رسالتي او لا تقرئينها.. وربما حينما ستقرئين او تشاهدين عنوان رسالتي اليك سينتابك شعور بالاطمئنان باني لازلت انا، ذاك الذي يكتب اليك في كل موسم، وفي كل فرصه، وفي كل حين، سينتابك ذاك الشعور الغريب، فتقولين ماذا كتب ذاك الغريب الي.. ذاك الغريب الذي بيني وبينه مسافات، وعادات، وتقاليد.. هذا الغريب الذي انتظرت رسائله لأعرف الى اين اوصلته خطاه الي..
دعيني الان أقول أي شيء.. فقد استهلكتنا المقدمات ولم نتقدم..
اوتار العود لازالت لا تتحد مع حركات اناملي.. البيضاء والسوداء والمشالة وذات المشالتين وغيرها ما زالت تتراقص بين يدي، ولا تقدّم العرض الجيد.. وفي كل وقع على الوتر كنت اتحدث اليك حديثا غريبا.. لا اجمعه ولا حتى اذكره.. ولست اعلم هل سيجيئ الوقت فاكتب اليك بلغه اخرى خارج الأبجدية التي تعرفينها..
انا اعرف القواعد جيدا، انا جئت واقتربت وكتبت وحاولت.. الا ان المسافة بيننا بقت على حالها، ان لم تتسع بعض الشيء.. اما انت كما انت، كما اتوقع دائما.. لأنك هناك في الضفة الاخرى من العمر تزاولين عمرا بعيدا علي، الى ان تطلع رسالة من رسائلي اليك فتذكرينني.. وكنت تفعلين هذا دائما..
في كل مرحله من العمر كنت ابحث عن موقع اخر أبتدئ فيه من جديد، كتغيير موقع العمل، او تغيير افكاري القديمة، او محاوله الهروب نحو وجوه أخرى، لأمارس فيها معرفه الاشياء التي لم تمر او مرت دون اعطيها اهتمامها.. فانت تعرفين انني لم أكن اهتم الا بك..
يا إلهي، أخطر الاشياء ان تقول اعترافا يحولك الى سجين.. حينما اقول إني احيا بك فستمنعين عني الحياة..
وحينما اقول اشتقت اليك، فأخشى ان تضعين هذا الاشتياق كسلسلة تقيّدين بها اتساع تفاصيلي..
وحين اقول بان هذه الدقائق دونك تمر ثقيلة.. ثقيلة جدا جدا، فاني صرت أخشى انت تزيدينها ثقلا وقد زدتها وقد حفرت في المسافة، فلم تصبح طولا فقط، فقد اصبحت طولا وعمقا بكل تشعباته..
وحين يقول احبك فانت تعرفين هذا الاعتراف وتلحظينه كلما مررت بتفاصيلي..
هذا لا يعني انني لست بخير.. ابدا.. انا بخير، اواصل مسيري كما عهدتني، اعد الدقائق والساعات، واحدد فترات النوم، واهتم لحظات الصباح الباكر، واحافظ على ساعة الخروج، وساعه الدخول، المس كتابي الذي سافراه كلما مررت به، أرتب اوراقي التي سأكتب عليها، وأحيانا يصاحبني الجوال كي اقول له بعض ما اريد..
اعذريني، هذا المساء لا اعرف بالضبط ما سأقول، توقعت انني اعرف، وحينما بدأت الكتابة تهت ما بين ألف فكره وألف خبر..
اريد ان اقول لك كل شيء، فقط لا تعترضني مشكلتين: مشكله انني لا اريد ان أثقل عليك بكل التفاصيل التي لدي، والثاني، ان المساحة الممنوحة لي لا تكفي لأظل اكتبها واكتب..
تذكرت الان، قبل ان أنسى، اريد ان اسالك كيف حالك؟ كيف انت؟ كيف فعل بك الوقت؟ والمكان؟ كيف انت مع اصدقائك وعائلتك، اعرف انني لست جزءا من هذا او ذاك؟ لكن اريد ان اراك بخير.. اريد ان اقول لك دائما: من أجلى حافظي عليك، ولا تتشاجري كثيرا مع من حولك.. حاولي ان تكوني حليمة.. حاولي ان تنامي باكرا وان تستفيقي باكرا، اريد ان اراك مستيقظة كل صباح، قبل كل العالمين لأنير عتمتي بضوء وجهك.. اريدك ان تكوني ملكه وانت تخاطبينهم.. وتكوني سيده وانت تغفرين لهم.. وتكوني شاطره وانت تتحاورين معهم.. فالناس في هذا الزمن صاروا ذئابا.. ذئاب تأكل القصي والعاقل والساكت والمسالم..
منذ فتره قصيره اشتريت عشرين كتابا واحببت ان اقراهم جميعا، تصفحت كل كتاب قرات منه الصفحة الاولى والصفحة الأخيرة، ثم نظرت الى المؤلفين، فلم يعجبني اي أحد منهم، وتساءلت لماذا اشتريتهم إذا كانوا بهذا السوء! وها أني اخطط الان لأقرأهم حتى وان لم يعجبني اي أحد منهم.. ثم تذكرت بأنني اخطط لكتابه كتاب يحمل اسمك..
سوف لن اقول لك اقرئي معي اي شيء، ولن اقول لك اساليني عن كل كتاب قراته او سأقرأه، اعرف ان لك اهتمامات أخرى، اما انا فلم اغير اهتماماتي منذ امد بعيد.. انا هو انا كما انا فقط تتغير بعض الأفكار.. وامضي..
وبعيدا عن الكتب، اعترف لك انني صرت أكره اهل هذا الوطن أكرههم جدا.. أكره هذا الحقد المنثور في كل مكان، وفي كل زاوية.. أكره هذه الدعوات الى الاقتتال.. أكره هذه الدعوات الى الميز العنصرين.. أكره الدعوات الى الضغينة، الى الكره، الى تقسيم المجتمع، أكره هذه المؤسسات التي انحلت، أكره هذه الدولة التي لم تحمل مفهوما للدولة.. أكره هؤلاء الساسة الذين يختفون حق الناس ويكيفونه كما شاءوا.. أكره هذا المصير الغامض الذي يرسمونه للملايين.. هذا الوطن دمروه.. ومسالة ترميمه أصعب مما نتصور، فالهدم سهل والبناء صعب..
اعذريني وقد أطلت عليك، اريد ان أقول لك كل شي، واكتظت الأفكار على راس قلمي.. ونسيت ان اقول لك باني احبك فهل تتحسسين ذلك فيما اكتب، فيما أقول، فيما افعل.. هل تتحسسين الشوق الذي يملأ كل حرف من حروفي اليك.. نعم انت غير قادره على إدراك ذلك في التفاصيل لأنك لا تهتمين، ولأني بالنسبة اليك مجرد مقعد في حديقة خلفيه تشربين عليه قهوتك حينما تتعبين وحينما تريدين ان تستريحي، ثم تمضين الى عالمك، ويبقى المقعد والحديقة الخلفية تتواتر عليهما الفصول كما شاءت.. نعم انا احبك.. واعذريني ان أطلت مع تحياتي.. لكن هل قرأت رسالتي.. ان قراتها أخبريني..
المخلص
د محجوب احمد قاهري