وانا أدخل مدينة جرجير، داهمتني الذاكرة، مستغلة ظروف شوقي اليك.. فتحتْ كل أبواب شراييني لأقدارها.. وتركتني لجحافل الوحدة.. اشرب فنجان قهوة وارمم ما تبقى داخلها...
داخل الذاكرة، طلع السؤال لماذا أحببتك؟ فلماذا أحببتك؟
لم اعد الان في مملكة جرجير وحيدا، صار معي السؤال الأهم.. وصار من واجبي ان اجيبك على هذا المشترك بيننا..
ولكني احتاج الى ألف عام، وأكثر، لأقول لك الإجابة المناسبة.. واطلب من الله ان يمدّ عمري كي اكتب لك ما تتوقين له..
المكان لا هدوء فيه.. يعج بالأحداث من كل صوب.. واني أرى "جرجير" يصيح في جنده.. بطلكم سأزوجه ابتني..
و'فلدينا' جالسة على اريكة منتصبة فوق الديدبان، وحولها الأربعين من خدمها.. 'فلدينا' مهرها الموت.. كأن لا قلب لها.. وكأن جرجير رجل غريب عنها..
جرجير بين محنتين.. ان يموت او ان ينتزع ملكه.. فيموت وهو حي..
وابنته فلدينا هي أيضا بين محنتين، ان تموت في رحى المعركة.. او ان تسبى وتبقى بلا قلب..
جرجير يحب مملكته.. فعرض 'فلدينا" للموت..
وفلدينا تحب والدها جرجير.. فقبلت بالحياة موتا دون قلب..
قال النادل: سيدي هل تريد فنجان قهوة ثان؟
قلت: الا زالت "فلدينا" جالسة فوق الديدبان؟
ابتسم النادل ومضى.. كأنه التقى معتوها على محض الصدفة...
انا لا أحبّ فلدينا.. انا احبّك أنتِ..
واحتاج الى مكان أكثر هدوء لكي اجيبك على سؤالك..
الا ان الضجيج يأت من داخلي.. والمكان ليس سوى تأثيث للصخب الكائن لدي.. والهدوء فكرة نصنعها نحن.. حينما نلغي مساحات كبرى من ذاكرتنا..
انا لم أحبك لأنك الاجمل.. انت حقا الاجمل.. الا ان بك سرّ أخذني اليك غصبا..
انا لم أحبك لأنك الاروع.. انت حقا الاروع.. الا ان بك سرّ اخذني من تلابيب نبضي غصبا..
فيك من السماء.. ومن الرياح.. ومن المطر
فيك من الأرض.. والتراب والشجر..
فيك من النظم والنثر والشعر..
فلماذا أحببتك؟ لست أدري..
صدفة، وجدتك تنسابين في عمري..
وجدتك قدرا يحتل قدري..
فلماذا أحببتك؟ لست أدري.. لست أدرى..
حبك نور "قذفه الله" في قلبي.. وسرّ فوق السرّ..
لماذا احببتك.. لست ادري..
د. محجوب احمد قاهري
طبيب وكاتب تونسي
سبيطلة 07-09-2018