مساء الخير. كيف حالك؟ هل انت بخير؟
في البدء، هات أذنيك لأهمس لك ببعض ما قالت لك وعنك الريح والروح، في غياب الحضور وحضور الغياب: لقد اشتقت اليك، كما يشتاق نبض لقلبه، وكما تشتاق عين للضوء..
اشتقت اليك كما يتوق الصبح لشمس يتنفس فيها..
هات أذنيك، لأحدثك عن رحلة ضائعة.. أضاعتني بعدك.. وأهملتني في فصول الترقب والحيرة...
بعدك، أتعبتني خطاي على رمل المتوسط، ولا أثر لخطاك.. كم هو بعيد هذا الحلم.. خمس أقمار مرت على مهرة الشوق من امام عيني.. ولا صهيل لك، ولا ونار في شتائي..
وحضرموت صامتة.. كل الأشياء هي، هي.. كما كانت.. الا ان طعمها اختلف.. تاه في صقيع القرارات.. والقسوة... وامتزج حلوه بمره..
ضنى هو الوقت دونك. وضنى ان يكون الرحيل اختيارا وجبرا، في آن واحد!!
قد لا يمكنك تخيل ما كان يحدث معي وحولي..
الانتظار والرحيل، سيفان يتقاتلان في دمي: الحضور يضرب في موانئ الانتظار.. والغياب يضرب على مرافئ الرحيل.. وأنا احمل الوجعين على كتفي.. أجلس على الرمل، ارتق جراحك في مساحات عيني.. واحاول ان أواصل.. وان أكتب شيئا على وجه الماء.. فكل الحكايات أصبحت تشبه الكتابة على الماء!
يوم أقفلتِ باب الكون، واختفيتِ وراء جبل النسيان.. وواريتِ قلبي تحت سنديانة قاصية.. أدركتُ فظاعة الوضع. حملت قلبي والسنديانة، وأطفأت جذوة شريان يحترق في داخلي.. ومضيت...
قررت ان ارحل الى ابعد نقطة تفصلني عنك.. وتمنع أي لقاء أخر.. ثم مضيت، كأني ادفع بالكرة الأرضية امامي..
طاردت مياه المتوسط.. ركبت رياحه..
ربطت ما بين النهار والنهار، والضوء والضوء..
غرقت في "مئة عام من العزلة"...
وحينما فتحت عين قلبي.. وجدتني أهتف باسمك.. فأقصى ما وصلت اليه.. لم اتجاوز فيه حدود عينيك.. ولم اتجاوز فيه مياهك الإقليمية..
لا جواز سفر لي لكي اعبر خارجك.. وأحيا خارجك..
اليوم عدتُ، من بعيد، من مدينة النسيان، عدت لأكتب اليك..
فهل انت بخير؟
ولأجلي كوني دائما بخير...
والى رسالة قادمة
المخلص
ودمت حبيبتي.
د. محجوب احمد قاهري
طبيب وكاتب تونسي