-->
recent

آخر الأخبار

recent
random
جاري التحميل ...
random

مطر في الميناء القديم





لم يكن يعلم بانها ستمطر على أرصفة الميناء القديم.. كان المساء صحوا جميلا.. وكان هو وفلورانس يمشيان في شارع "شارل ليفون" "charles livon " ..

هي لم تكن تصدق وصوله بهذه السرعة إلى مرسيليا بعد ان وعدها بالزيارة منذ أسبوعين... وهو لا يصدق الفرح الممتلئ في عينيها بسبب قدومه..

على جانب رصيف rive neuve  المنطلق من "شارل ليفون" ، كانت هناك عشرات السفن راسية كأنها الحضور في حفل زفاف، وكان الميناء كساحة عرس ممتلئة بالحياة...

مرّت بجانبهما "روزالين" ... قالت "أهلا فلورانس، ومرحبا بمرافقك"، وابتسمت له.. ثمّ واصلت طريقها...

قالت له فلورانس، إن هذه الفتاة تكره العرب، وتكره تواجدهم على ارضنا...

ابتسم، وسألها وانت؟، لم تجبه، وقد ظهرت ابتسامة جميلة على ثغرها، وواصلت حديثها عن الميناء القديم.. وعن مرسيليا مدينة السفن..

كان يحمل حبها في كل نبضة قلب... في كل حركة.. في كل نفس.. وكان حديثها كبيوت الشعر التي تنتصب تباعا في قحط وحدته الدائمة.. كانت املا مفقودا وحط في تفاصيل ليل مضن.. فأضاءت حياته وأضاء الميناء القديم..

اتجها الى شارع canabiere ، شارع الخرافات، كانت تريد ان تشتري له هدية ليذكرها بها مدى الحياة.. كانت الشارع طويلا وجميلا بمحلاته الرائعة والفارهة.. دخلا محلا لبيع الساعات.. اختارت له واحدة.. وضعتها في معصمه الأيسر، وسألته هل أأعجبتك؟ ..

أومأ برأسه دون أن ينبس ببنت شفة.. حضورها كان كاف ليأخذه وقع الحب إلى كلّ منحنى.. وصدى في دماغه يقول له، هكذا ربطت بينك وبينها في كل الثواني... فاذكرها دون خجل...

عند خروجهما من المحل كانت السماء قد ادلهمت ونزل الغيث... مشيا قليلا تحت وقع المطر كأنهما يغتسلان من زمن لم يعيشا فيه معا... ثمّ قرّرا الذهاب إلى نزل belle vue حيث يقيم...

جلسا في قاعة الاستقبال.. كان بوده لو يشرب كأس شاي، مثل الذي كان يشربه في بلده، فشاي مرسيليا بلا نكهة، كأنه ماء مغلى وملون.. طلب قهوة... واستمع إليها وهي تحدثه عن لقاء الغد، وكيف سيذهبان معا الى زيارة المستشفى التي تعمل بها هي... ثم سيطيران الى حيث والدتها.. فهي أيضا على أحرّ من الجمر للقاءه...

أدركهما العشاء.. دخلا مطعم النزل، جلسا على الطاولة الثالثة من جهة اليمين.. أكلا مكرونة "بالجبن" ... لم يستسغها، لكنه اجبر نفسه على أكلها، لأن وجود فلورانس كان أهم من كل الأشياء... وخرجت "فلورا" مودعة على أمل اللقاء غدا.. في الموعد.. وحجابها الأزرق الداكن كأنها يحيط بقطعة من نور.. وببسمة ملائكية...

بعد أكثر من خمس عشرة سنة من هذا اللقاء ومن موت فلورانس، عاد إلى نفس المكان، ونفس الميناء، ونفس الشارع، ونفس الطاولة، ونفس الذكريات... لم يكن بوسعه ان يفعل شيئا غير التذكر..

وفي لحظات نزل المطر على الميناء القديم.. فخرج مسرعا من النزل، تحمله خطاه إلى زمن جميل اسمه فلورانس ...

ولم يكن يعرف بان رحيل فلورانس، حمل معه خمس عشرة سنة من العمر وتزيد.. وكم بقى من العمر؟ ... والساعة في يديه تدّق على وقع الذكرى ونزول المطر....



د. محجوب احمد قاهري

24/1/2013

التعليقات



إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

إتصل بنا

جميع الحقوق محفوظة

بكل حب

2016