مساء الخير،
كيف حالك؟ كيف مرّ على روحك 2019؟ الم يكن جميلا بالشكل الذي اخترت، تماما كما احببته؟ أنك دائما تنتصرين.. وتمضين الى حيث تريدين.
حقيقة إنّي لا احبّ المعارك، فالانتصارات فيها ليست كلها خير. فقد ينكسر غصن زيتون.. او يُكسر ذراع وردة.. او تموت حمامة عطشى على حوض اللقاء.. او يُنفى نبض صادق في موطن الغرباء.. اعرف انّها لا تهمّك التفاصيل كثيرا.. لذلك فانّي ابارك انتصارك.. وانتصاراتك جمعيا.
وارجو لك مزيدا من الانتصارات في 2020. المهم ان تكوني سعيدة، ولو يشقى نصف العالم!
امّا انا فانّي سعيد لسعادتك. حاولتُ اثناؤك على خوض أيّ معركة تثير الاعصاب، ثمّ احترمت رغبتك بعد ألف محاولة.. وامّا هل أنّى بخير، فتلك مسألة أخرى، وانت تعلمين بانها لا تعنيك! فلن نتوقف عندها كثيرا..
بالأمس حاولت الكتابة اليك.. لم أستطع.. لأوّل مرّة لم أجد عبارات كافية..
ثم انتبهت لاحقا، وتوقّعت بانّها ربّما تكون رغبة خفيّة، تجرّني الى ان لا ابتدئ معك اول أيام هذا العام.. حتى لا يمتلئ عام آخر بحضورك الغائب.. وبمحاولة نصب خيمة في صحراء عارية.. حتى أهلها رحلوا عنها.. ولم يبق الا الوتد والجمل والكلب ينتظرون...
وثاني أيام العام أدركت بانه يتوجب عليّ ان اكتب اليك.. ولا اعلم مصدر هذا الالزام..
وانا أحاول الكتابة.. تذكّرت احداث روائيّة.. سأكتبها لك..
مشاهد من روح هذا الكون حينما تنساب فيها التناقضات، في انسياب العناد، كان المتحابين أعداء، فيُقتل الامل.. ويُجرح الحلم.. ويُكسر الخاطر..
وهل رأيتِ روحا تحيا بأمل معدوم وجرح نازف وخاطر مكسور! انّها عبثية الوجود الذي يفرّقنا ولا يجمعنا..
اذكر لك، من رواية، مشهدا أخّاذا:
أسرع "هاجا" الى حيث يربط قاربه الى النهر.. وقد ضاق صدره..
وهو يفكّ القارب من اسره، لينطلق، سمع صوتها من خلف الشجرة.. كانت تقول بصوت عال: مكانك بالقلب ظلّ فارغا! اتترك مكانك للفراغ!
هزّ رأسه، ولم يكن هناك غير الصوت..
ردّ بصوت اعلى منه: قد كنتُ عندك.. فابتليتِ روحي بداء الإهمال، فكانت كجذع يابس في ركن الكوخ.. قد تأكله النار في أي زمان..
ثم ارتمى في قاربه وحرّكه بالمجداف.. وصاح مرّة أخرى: لنا النهر.. لنا النهر.. ولك المكان..
ومن اعلى الربوة انطلق صوت ناي حزين بواح... صوت رافق ضربات المجداف وزفير روح مكلومة..
اعجبني المشهد حينما تخيّلته، واحببتُ أن تشاركينني في تخيّله.
لقد انعتق وهو يركب النهر.. وهي انتصرت حينما أوصلته الى الانعتاق منها.. قد تسألين كيف انتصرت؟
لأنها في الرواية كانت تعتقد بانّها في معركة كبرى ودائمة مع من تعتقد بانها تحبه، وعليها ان تهزمه.. ولعلها لم تتخيّل اشكال الهزيمة المتعددة، واعتقدت بانّه سيخرّ راكعا امامها لينضم الى قائمة فساتينها، واصباغها او أيّ شيء ممّا تمتلك. على عكسه تماما، كان يعشق روحها، وحينما اقترب منها، لم يجد فيها روحا.. كانت كائنا لطيفا جدّا.. لكنّه عدواني الى ابعد حدّ.. ككلّ المواد التي لا روح فيها..
ومن زاوية أخرى من زوايا المشهد، الذي حكيت، فيبدو بإنّها لم تكن تحبّه، هيئ اليها.. فتماهت معه الى ان استفاقت.. ولو كانت عاشقة له لأضاءت روحها في كيانه، ولما فكّر في الرحيل منها.. والارتماء في النهر..
ولأني اعرف بانك تحبين الجدل.. فأحببت ان تشاركينني في اهم قضية من قضايا الانسان. الا وهي قضية الحب. فهل علينا ان نختبر الحب في الواقع؟ او أن ننأى به بعيدا حتى لا تتعرّى الأرواح الميتة، واليابسة، والمخادعة؟ فنلقي جميعا بأنفسنا في النهر من أجل فكرة قد تكون خائبة..
وفي اخر رسالتي أتمنى ان تكوني دائما بألف خير.
وهذه من أجمل رسائلي، لأنها ابتدأت فيه معك، ولأول مرة، في مناقشة قضايا الانسان.
مع تحياتي
المخلص.
د. محجوب احمد قاهري