لا اعلم لماذا تسافر اغلب رسائلي اليك مساء..
ومع ذلك.. مساء الخير
ضلّ الناس الطريق عندما اعتقدوا بانّ رسائلي لا تناسبك.. نحن مختلفان في أدق التفاصيل.. ووحدها التفاصيل هي التي تجمع، توطد الصلة، تبني القادم.. تُحدث الاستثناء..
لكن ثمة شيء آخر لا يُدركه الناس.. أتحسّسه ولكني لا أقدر على توصيفه.. شيء جعل من رسائلي لك وحدك..
منذ الامس ولي رغبة جامحة في ان أكسر ما بيننا.. الا ان "الكسر" يُجبَر مع مرور الزمن، ويعود ما كُسر كما كان، حتى وان لم يكن في كامل ألقه..
إني احتاج الى حدث أكبر من ذلك.. حدث يلغي الذاكرة.. ويمنعها من تخزين التفاصيل!
لا شيء يهزمنا غير الذاكرة..
ولا فعل قوي غير هزم الذاكرة..
نحن مختلفان كثيرا.. ومتشابهان في الاختلاف.. ولا جسر يمكنه الربط ما بين زمنين.. ورؤيتين.. وحدثين.. وغرورين..
كم نحن مغروران.. انا وانت.. والغرور كذبة كبيرة وفهم خاطئ للواقع.. ان الجسر الذي نحتاجه هو الطمأنينة والسلام.. ولا أوهامهما..
ولا طمأنينة وسلام بدون حب.
الحب بيت من لا بيت له.
الحب بيت الانقياء والصادقين والاوفياء.
وما عدا الحب، خراب يعتري الناس، يؤذيهم، يأكلهم من قاع ذواتهم الى ان يطفو.. فيجعل وجوههم بشعة..
وانا وانت أكلتنا التفاصيل الباهتة.. ان بيننا ذاكرة لا تزال حيّه.. واما الحبّ فلا تسألينني عنه.. كل الأجوبة لديك..
باكرا.. وقفتُ كثيرا امام ورقي.. لم أكن أدرك وقتها ما سأكتب اليك.. ولم أكتب شيئا..
مضى الوقت حائرا.. وكم هو مؤلم ان يرافقك الوقت الحائر..
في مقهى على أطراف المدينة.. وددت ان افكك مفردات الذاكرة.. ان ابحث عنك في التفاصيل.. مهمة مثل هذه تحتاج الى مشرط حقيقي ويد قلب غير مرتعشة..
2018 كانت ذاكرتي الأخرى الأكثر وجعا والأكثر أملا.. في 2018 كنت انا الاخر... الا أنى حملت ذاكرتي معي وانا انتقل من واقع الى واقع.. ومن عالم الى عالم، ومن رؤية الى رؤية.. وكنت انتِ الحدث الثابت في كل هذا..
وجدتك في كل التفاصيل.. ولم تكوني معي ولو للحظة واحدة..
لم تكوني معي في الوجع الكبير.. ولا في الامل الكبير..
لم تكوني معي حبا.. ولا انسانا..
لم تكوني معي حدثا مقيما.. ولا زائرا..
ولم تكوني ككل العابرين، من وقفوا على جرح ذاكرتي في 2018..
وانا افكك مفردات ذاكرتي.. تراءى لي غول تفاصيلك في وهمي.. كان يلتهم من وقتي ومن فكري ومن جهدي ومن ذاكرتي.. كان بلا قلب.. مثلك تماما..
لا ذنب لك.. اعرف ذلك..
اود ان امسح غبار 2018 من بلور نظارتي.. إني أرى بوضوح الان..
أود ان اهزم ذاكرتي.. لا اشتهي ذاكرة مرهقة.. وخائبة..
والمساء، كان استثنائيا.. حيث تمكنت من الكتابة اليك..
لعلها تكون رسالتي الأخيرة اليك.. ليس لأني اتخلى عنك.. ولكن اريد ان احيا بلا ذاكرة.. بلا ذاكرة انت فيها.. و2018 فيها..
كانت من امنياتي ان استدعيك لنقرأ كتابا معا.. ككتاب "ذاكرة جسد" لأحلام مستغانمي.. نناقشه معا.. ونعلق على تفاصيله معا.. الا أنى أتخلى عن ذلك نهائيا.. اتخلى عنه طواعية.. فأنا وانت مختلفان، لا نلتقي حتى على الرغبة في قراءة كتاب..
اعرف أنك بخير.. بلغني أنك بخير.
لذلك لن أسال كثيرا.. ودائما كوني بخير..
والى رسالة قادمة
د. محجوب احمد قاهري